شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
268324 مشاهدة print word pdf
line-top
غسل الوجه

قوله: [وفروضه ستة: غسل الوجه ] لقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [ومنه المضمضة والاستنشاق، لحديث عثمان -رضي الله عنه- في صفة وضوئه -صلى الله عليه وسلم- وفيه فمضمض واستنثر متفق عليه .


الشرح: فروض الوضوء هي أركانه التي، يتكون منها، وركن الشيء هو جزء ماهيته، وهي تسمى فروضا لأن الله فرضها يعني ألزم بها.
وهي ستة: الأعضاء الأربعة- الوجه واليدان والرأس والرجلان- واثنان من الأوصاف وهما: الترتيب والموالاة، ثم ذكر المؤلف هذه الفروض بالتوالي، وذكر معها أدلتها.
فأولها: غسل الوجه، والوجه هو ما تحصل به المواجهة عند المقابلة، وهو أول الفروض؛ لأن الله ذكره أولا، وتحديده طولا من منابت الشعر إلى اللحيين والذقن، والمراد منابت الشعر المعتاد؛ لأن بعض الناس قد ينحسر الشعر عن مقدم رأسه فيكون (أصلع) فهذا لا عبرة به، وهكذا عكسه ما لو تدلى شعر إنسان ونبت في نصف جبهته فإنه يغسل هذا الشعر.
واللحيان هما منابت الأسنان السفلى أي العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى للإنسان، والتقاء اللحيين يسمى ذقنا، فالذقن هو مجمع اللحيين سواء كان فيه شعر أم لا، فكل إنسان له ذقن، والعامة يخطئون فيسمون اللحية ذقنا، وهذا خطأ، لألن اللحية هي الشعر،
والذقن هو التقاء اللحيين، سواء كان فيه شعر أم لا، وقوله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ معناه يخرون جهة الأذقان، أي جهة أسفل الوجه، فالذي يسجد يخر إلى تلك الجهة.
وأما اللحية فإذا كانت كثيفة- أي لا توصف البشرة من ورائها- فإنه يكتفى بغسل ظاهرها، وأما تخليل باطنها فإنه سنة- كما سيأتي إن شاء الله- فإن كانت اللحية خفيفة- أي ترى البشرة من خلالها فإنه يلزم غسل ظاهرها وباطنها.
وأما ما امتد من اللحية فهو تابع للوجه، وقد كان العرب يطلقون على اللحية: الوجه، فيقولون: نبت وجهه أي لحيته، فلهذا يغسل ظاهرها، وقد جاء في الحديث عن النبي خير ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء... الحديث فهذا دليل على أن اللحية داخلة في المغسول.
أما الوجه غرضا فإنه من الأذن إلى الأذن، قيل من فرعها إلى فرعها، وقيل بل من منبتها أي من أصل اليمنى إلى أصل اليسرى، وهذا هو المشهور؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال الأذنان من الرأس فما أقبل منهما فإنه من الوجه فيغسل، وأما مؤخرها فهو من الرأس.
والصواب أنها كلها من الرأس، ولكن يستحسن أن يمر بيده عند غسل الوجه فيغسل ما أقبل من الأذن.
والمضمضة والاستنشاق تدخلان ضمن غسل الوجه، فهما واجبتان، لمحافظته -صلى الله عليه وسلم- عليهما في وضوئه كما بين ذلك من ذكر صفة وضوئه قيل، كقول عثمان -رضي الله عنه- ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر.. وحديث علي -رضي الله عنه- أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ففعل هذا ثلاثا ثم قال: هذا طهور نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وحديث أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر وقوله -رضي الله عنه- أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمضمضة والاستنشاق والأمر يقتضي الوجوب، وغير هذا من الأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
والمضمضة هي تحريك الماء في داخل الفم، ودلك الفم وتنظيفه بأصبعه ونحوه.
والاستنشاق هو اجتذاب الماء بالأنف بقوة، وأما إخراجه من الأنف بالنفس فيسمى استنثارا لأنه ينثر الماء به، والحكمة من الاستنشاق تنظيف الأنف مما يتحلل مند، فيدخل الإنسان في الصلاة وهو نظيف، فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء لكنهما غير مستقلين، بل داخلان ضمن فرض الوجه، وأما المبالغة فيهما فإنها سنة- كما سيأتي إن شاء الله-.

line-bottom